محتالون يعملون بصمت وشركات تتحايل على التراخيص
تحقيق الاحتيال المالي في غزة.. الإجراءات الحكومية المتأخرة تهدر حقوق الضحايا
يعيش المواطن فريد صلاح من سكان مدينة غزة حالة من الترقب والقلق، متأملاً بعودة أمواله التي أودعها في شركة “تكنو إليت“، والتي تبلغ 6 آلاف دولار أمريكي، بهدف استثمارها، بعد أن فوجئ برفقة آلاف المودعين، بقرار إغلاق الشركة، والتحفظ على أصولها من قبل النيابة العامة، في شهر مارس/ آذار الماضي.
ووفق صلاح، فإن الشركة التي كانت مرخصة من قبل وزارة الاقتصاد الوطني في غزة، حصلت على ملايين الدولارات من قبل مودعين، وكانت تعمل بصورة علنية، وتمتلك أكثر من مقر، ولديها عدد كبير من الموظفين، ومالكها كان يتمتع بسمعة طيبة، ولم يكن يتوقع أن تكون هناك مجرد شبهة للاحتيال، حتى جاء الخبر الصادم.
ولم يكن حال المواطن عمرو الضبة بأحسن من سابقه، إذ أودع هو وشقيقته مبلغ مالي يصل الى 5500 دولار، معظمها كانت من شقيقته، إذ فضل هو بإيداع مبلغ صغير 850 دولار، كتجربة، على أن يضع المزيد من الأموال مستقبلًا، حتى فوجئ بإغلاق الشركة، وإعلان إفلاسها، والتحفظ على الأموال.
ويؤكد الضبة أن طرق عمل الشركة، وامتلاك المودعين عقود، أعطتهم درجة أمان عالية، ولا أحد كان يشك أنه سيكون وغيره ضحية للاحتيال المالي بهذا الشكل.
ووفق الضبة فإنه تقدم كغيره ببلاغات للنيابة العامة، التي طلبت من كل مودع حصل على أرباح من الشركة اعادتها فوراً، ليتسنى إعادة جزء من أموال المستثمرين، مبينا أنه وغيره من الضحايا لا يمتلكون سوى الصبر والانتظار، وسمع من بعضهم ممن أودعوا مبالغ كبيرة مستعدون للحصول على نصف المبالغ التي أودعوها، نظراً لشعورهم باليأس من إمكانية إعادة أموالهم.
صلاح والضبة هما ضحيتان من أصل 5932 من ضحايا الشركة المذكورة فقط، وقد أودعوا ما يزيد على 17.6 مليون دولار بغرض الحصول على الأرباح، إذ لازالت القضية منظورة في النيابة والقضاء.
بيئة خصبة للاحتيال
لم تكن قضية “تكنوا اليت”، الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحدث في غزة، إذ شهدت السنوات ال 15 الماضية عشرات قضايا الاحتيال المالي، بعضها وصفت بالكبيرة، أبرزها “روبي والكردي”، التي اشتهرت عام 2009 بتشغيل الأموال في أنفاق تهريب البضائع مع مصر، وخسر فيها آلاف المستثمرين عشرات الملايين من الدولارات.
هناك ثلاث أسباب رئيسية لانتشار ظاهرة الاحتيال المالي في قطاع غزة، وفق المختص في الشأن المالي والاقتصادي أحمد أبو قمر، أهمها ضعف القوانين المعمول بها، وعدم وجود إجراءات حازمة ورادعة، إضافة لبحث المستثمرين عن الربح السريع، مع تراجع فرص الاستثمار الحقيقي، مع وجود أشخاص لديهم الاستعداد لهذا العمل، وهذا ما يجعلنا نستمع باستمرار عن قضايا نصب بمسميات وأساليب مختلفة، لكن في النهاية كلها طرق احتيال تهدف لسلب المواطنين أموالهم دون وجه حق.
ووفق أبو قمر فإن هذه الشركة وغيرها من شركات النصب والاحتيال المالي، تعمل وفق مخطط احتيال عالمي يسمى “بونزي سكيم”، وهو قائم على فقاعة اقتصادية غير حقيقية “استثمار وهمي”، يعمل على جذب مستثمرين لمربع احتيال محكم، بزعم حصولهم على أرباح كبيرة، على أن يجلب كل مستثمر غيره، فتكبر الدائرة، ويزيد الخاسرون، ويحصل المشغل الرئيسي على مبالغ مالية أكبر، وهذا يتم عبر استغلال
مصطلحات عالمية فضفاضة، كالاستثمار عن بعد، أو الاستثمار في العملات الرقمية، وغيرها من المجالات الوهمية.
ووفق معلومات قسم مكافحة الجرائم الالكترونية ثمة ثلاثة أشكال للاحتيال المالي الالكتروني، الأولى مواقع وهمية مثل موقع “كوفي 24″، وهو موقع استثماري أوهم المودعين أنهم يحققون أرباح تصل الى 10% من قيمة الأموال الموضوعة، ما شجعهم على إرسال المزيد من المال لتحقيق ربح أعلى، ثم أغلق الموقع واختفى كل شيء.
الطريقة الثانية، تتمثل بوجود شخص سواء في الداخل أو الخارج، يدعي ممارسته شكل من أشكال التجارة، التي تدر أرباح، وينشئ صفحة أو تطبيق لإدارة العملية، ويدعمها بصور ومقاطع فيديو لبضائع يدعي المتاجرة فيها، ويستدرج الضحايا للحصول على أموالهم، وقد يعطيهم في البداية بعض الأموال، “أرباح وهمية”، ثم يختفي، والشكل الثالث وهو التداول الهرمي أو الشبكي، وهو عملية نصب مركبة، تبدأ بفرد واحد وتنتهي بمجموعة كبيرة من الأفراد، عبر إنشاء شركة وهمية أو عرض منتج وهمي ليس له وجود، وقد شاع في الآونة الأخيرة مصطلح “التسويق الهرمي أو الشبكي”، وُيعرف بأنه نموذج عمل غير مستقر، هدفه جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، في حين يكون المستفيد الأكبر هو المتربع على رأس الهرم، وما هو إلا شكل من أشكال الخداع، يقوم على فكرة تشبه كرة الثلج المتدحرجة، بحيث تجلب كل ضحية غيرها، فتكبر الكرة، ويزيد عدد الضحايا بصورة متسارعة، وبالتالي تتسع عملية جني الأموال لصالح المُشغل الرئيسي “رأس الهرم”.
الاقتصاد تحذر
تزايدت حالات الاحتيال المالي عبر ما يسمى التسويق الهرمي، ما دفع وزارة الاقتصاد الوطني بغزة لاتخاذ قرار يحظر التعامل بكل مكونات التسويق الهرمي، بعد توصية قدمتها لجان في المجلس التشريعي في غزة للوزارة، إذ أكد الناطق باسم الوزارة عبد الفتاح أبو موسى، أن إجراءات قانونية تتخذ بحق المخالفين للقرار.
وصنف أبو موسى هذا التسويق بـ”الخطير” ويستهدف جميع الفئات العمرية، ويؤثر سلبياً على الاقتصاد في غزة، من خلال استنزاف موارد المجتمع وثرواته، نتيجة انشغال المسوقين بجذب عملاء جدد، فضلاً عن أنه يعمل على زيادة معدلات البطالة، وخروج النقد الأجنبي من البلد، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية، إضافة لقيام المسوق الرئيسي بالاختفاء فجأة من السوق الوهمي للشبكات التسويقية، وانقطاع العلاقة مع المتسوق الأول، الذي تربطه علاقة مع المتسوقين والمجندين في الشبكة.
ووفق أبو قمر فإن أهم مرحلة في هذه العملية، أن يتمتع الشخص المُشغل أو من يدير هذه الشبكة بأسلوب مقنع وجذاب، وعادة ما يكون في الخارج، فينشئ شركة وهمية، ويصمم لها شعار، ويختار اسم جذاب مثل “فريق الاحلام”، ويعقد اجتماعات أغلبها الكترونية، ويبدأ بإيهام المستثمرين بالمستقبل الواعد الذي ينتظرهم، وأنهم سيتحولون لأثرياء خلال فترة قصيرة، وما عليهم سوى جلب المزيد من المستثمرين.
وبين أبو قمر أنه وإمعاناً في توريط المستثمرين، ممن يحققون أرباحاً وهمية، يرونها على الشاشات فقط، دون التمكن من سحبها، يشترط المُشغل عليهم للحصول على جزء من أرباحهم المزعومة، جلب ضحايا بمبالغ مالية أعلى، وفي لحظة يستفيق المستثمرون على كابوس، ويكتشفون أن كل شيء تبخر، وأنهم كانوا ضحية لعملية نصب كبيرة، ولم يعد هناك موقع للتداول، ولا مُشغل، وكل من خسر ماله يضع اللوم على من جلبه لهذا المربع.
وهو ما حدث مع الفتاة منى حماد من سكان مدينة رفح، وخمسة آخرين، استثمروا أكثر من 10 آلاف دولار في إحدى شبكات التسويق الهرمية، ليكتشفوا لاحقاً أنها مجرد وهم وخداع، اذ تقول حماد، زينوا لي الأمر، فاستثمرت 2500 دولار، واشترطوا كي أحصل على جزء من الأرباح أن أجلب ضحايا جدد، ولم أفعل فضاعت الأموال.
وهو ما تكرر مع المواطنة “أحلام”، من سكان شرق خان يونس، والتي باعت حليها، على أمل أن توفر هي وزوجها مصدر دخل، وعملت في التسويق الهرمي لمدة عام كامل، وحضرت اجتماعات الكترونية، وشاركت في الكثير من الأنشطة، دون أن تستطيع أن تسترد ولو جزء من أموالها، وفجأة اختفى المشغل، وأُغلق الموقع وضاع كل شيء في يوم وليلة.
بينما يقول أحد الوسطاء من المروجين للتسويق الهرمي، ورفض ذكر اسمه، وهو يجلب أشخاص باستمرار، مدعياً أنهعمل جيد، لكن هناك من أساء له ودمر سمعة هذا النوع من الاستثمار، لذلك على الشخص حسن اختيار الشركة وفق قوله.
تحايل وفساد
بعض الشركات تتحايل على القوانين وتسيء التراخيص الممنوحة لها، وتعمل بشكل مقصود في مجالات متعلقة بالاحتيال المالي، وفق الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب الذي أضاف أن الشركات تتقدم للحصول على ترخيص للعمل في التسويق الالكتروني، وهو عمل مشروع، لكن بعد فترة تدخل مجالات أخرى، وتبدأ بممارسة النصب والاحتيال المالي، أو العمل في التسويق الهرمي، والجهات الحكومية تحتاج لشكوى كي تتحرك ضد الشركة.
وبين أبو جياب لـ”معدا التحقيق” أن الناس هي من تساعد هذه الشركات على العمل، من خلال التدفق عليها، ومنحها المال لاستثماره، وسبق وحذر هو من إحدى الشركات قبل أكثر من عام، دون جدوى، ولم يتنبه الناس، ولم تتخذ إجراءات بحق تلك الشركات.
وأكد أن بعض قضايا الاحتيال المالي عولجت بطريقة غير سليمة، مثلا قضية روبي والكردي جرى إعادة جزء من أموال الموعدين لم يتعد 30% على أبعد حد، وسجن المحتالون عدة سنوات ثم خرجوا، والأمر انتهى، رغم أنه كان يجدر أن يكون هناك حقوق للمودعين.
بينما أجمع أكثر من مودع وخبير اقتصادي، بينهم أبو قمر، بأن ثمة تباطؤ في الإجراءات الحكومية تجاه الشركات والأشخاص الذين يعملون في مجال الاحتيال المالي تحت مسميات أخرى، كالتجارة الالكترونية، والأسهم وغيرها، وهي في باطنها شركات نصب واحتيال، وجرى تجاهل عشرات التحذيرات من الخبراء والمطلعين، فقد سبق ونشر أبو قمر على صفحته تحذير من شركات ومستثمرون في مجال العملات الرقمية، ولم يتحرك أحد، ودائما يتم التحرك بعد وقوع الكارثة.
وهنا تضع الجهات الحكومية على نفسها علامات استفهام لعدم تحركها اتجاه الشركات والأشخاص الذين يعملون تحت غطاءات مختلفة للاحتيال على المواطنين، خصوصا في ظل ضعف القوانين الفلسطينية الموضوعة قديمًا لمثل هذه القضايا الحديثة.
وكشفت تحقيقات النيابة المعلنة في قضية “إليت”، قيام المتهم مدير الشركة بخداع وإيهام المجني عليهم من خلال ممارسته أعمال مخالفة لما رُخص له به من قبل الجهات الحكومية المختصة، وذلك باستحصاله على أموال المودِعين المجني عليهم، بعد إيهامهم بأنه سيقوم بتشغيلها في نشاط تداول عملات رقمية يحقق أرباحاً مالية كبيرة، خلافاً للحقيقة، وقد استخدم المتهم أكثر من وسيلة احتيالية لإيهام المجني عليهم من خلال قيامه بإنشاء موقع الكتروني باسم ( البوت ).
وأكد أحد المتورطين في قضايا احتيال مالي، رفض ذكر اسمه، أنه دخل في تجارة، وخسر، وأنه أبلغ المودعين أن أموالهم قد تتعرض للربح والخسارة، ولم يعد لديه مالاً يعيده إليهم.
وحاول معدا التحقيق التواصل مع النيابة العامة للسؤال عن سبب التأخير في تحريك الإجراءات القانونية اتجاه المحتالين والإجراءات المتخذة في قضايا الاحتيال المالي، إلا أن النيابة العامة رفضت مقابلة معدا التحقيق رغم الطلبات المتكررة على مدار شهر كامل، وقد تلقيا رد عبر رسالة نصية تفيد بالرفض، رغم التقدم بأكثر من كتاب تسهيل مهمة.
وأعلنت النيابة العامة أنها تواصل التحقيق في قضية تكنو اليت، حيث أكد المتحدث باسم النيابة العامة المستشار أحمد السوسي، في تصريحات منشورة، أن تأخر ملف قضية شركة إيليت كانت لصالح المجني عليهم، وذلك بسبب حرص النيابة العامة على جمع الممتلكات الخاصة بالشركة وبيعها بالمزاد العلني.
وأكد السوسي، أن النيابة العامة تسعى للحصول على القدر الأكبر من الأموال وممتلكات الشركة حتى يتم رد الجزء الأكبر للمواطنين.
ونوه إلى أن أي مواطن يشعر أنه تعرض للظلم من النيابة العامة يحق له أن يقدم تظلم في نظام الباب المفتوح ورد المظالم في النيابة العامة.
قوانين قاصرة
من جهته أكد المحامي والخبير القانوني عبد الله شرشر، أن القوانين الفلسطينية رغم شموليتها، إلا أن معظمها قديمة، فقانون العقوبات مثلًا معمول به منذ العام 1936 حتى الآن، ومع تطور التكنولوجيا، ووجود طرق نصب واحتيال مستحدثة، بات واضحاً أن القانون القديم لا يستجيب لجرائم الأموال التي ظهرت خلال الأعوام الماضية، مثل التداول الهرمي، أو تداول العملات الرقمية، وهناك كثير من الدول تعاني من هذا الأمر.
وأكد أن معظم جرائم الاحتيال المالي تحدث في فضاء الإنترنت، والقانون الفلسطيني قاصر عن متابعة قضايا خارج فلسطين، كما أن غياب التعاون الدولي ما بين شرطة غزة والدول الأخرى، يجعل الكثير من الجناة من المقيمين في الخارج، يمارسون الاحتيال المالي عن بعد بحرية ودون خوف، منتقداً شيوع ظاهرة البحث عن الثراء السريع في غزة، ما يسهل وقوع ضحايا جدد باستمرار.
واشتكى العديد من ضحايا الاحتيال المالي من تأخر وبطئ الإجراءات الحكومية في إنصافهم، وأن أغلبهم لم يحصلوا على أموالهم، رغم التقدم بشكاوى للجهات الرسمية، إذ أكد ثمانية من الضحايا مر على قضايا بعضهم أكثر من 12 عام، أنهم ينتظرون إنصافهم، وإعادة ولو جزء من الأموال، ومصير التحقيقات في بعض القضايا لازال مجهولاً، ومنها على سبيل المثال قضية روبي والكردي التي أشعلت الرأي العام خلال السنوات الماضية، إذ شرع وسطاء بجمع الأموال، من المواطنين لتشغيلها ضمن هوس اقتصادي تحت عنوان: “خلي المربح يربح”، مما دفع مواطنين لجمع أموالهم وبيع بيوت أو عقارات لهم، لأن نسبة الأرباح وصلت 400 دولار لكل 1000 حتى بلغت درجة ربح ألف دولار لمثلها، خاصة من سكان محافظة الوسطى في القطاع.
قوانين قيد التطوير
أقر المجلس التشريعي بغزة العام الماضي، تقرير لجنتي الرقابة العامة وحقوق الانسان والحريات العامة، والاقتصادية، حول جرائم النصب والاحتيال المالي والإلكتروني، حيث تم المصادقة على التقرير خلال جلسة للمجلس بالأغلبية المطلقة.
وبين التقرير أن خطورة هذه الظواهر تتمثل في تهديد النسيج المجتمعي والسلم الأهلي والأسري من خلال تأجيج المشاكل الاجتماعية، وإحداث المشاكل الأمنية، وسلب أموال الموطنين وممتلكاتهم ومدخراتهم وإجبارهم على الاستدانة وإغراقهم بالديون، وإخراج العملة الصعبة واستنزاف السيولة النقدية وتصديرها خارج القطاع.
وأوصى التقرير إلزام الوزارات كل فيما يخصه بضرورة الإسراع في تنفيذ توصيات اللجنة الخاصة بملف عمل مؤسسات الإقراض في قطاع غزة والتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء لمتابعة مستوى تنفيذ التوصيات.
وشدد التقرير على أهمية إعداد مشروع قانون معدل لقانون المعاملات الإلكترونية لإعادة صياغة وضبط بعض صور التعاملات التجارية الإلكترونية التي قد تكون مدخلاً للنصب والاحتيال وتدعيمها بعقوبات جزائية وإدارية رادع، مع الإسراع في إعداد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بحيث يكون إطاراً تشريعياً جامعاً لكل صور الإجرام الإلكتروني.
من جهته أكد مُخلد جندية، مدير دائرة الفتوى والاستشارات والدراسات بالمجلس التشريعي بغزة، أن ديوان الفتوى والتشريع بالمجلس التشريعي بغزة، باشر بإعداد وصياغة مجموعة من التشريعات التي تحقق الصالح العام وتحارب جرائم النصب والغش والاحتيال بصورته العادية أو بصورته المستحدثة من خلال الوسائل الالكترونية والتكنولوجيا الحديثة، وأبرز تلك التشريعات العمل على تطوير القانون رقم (5) لسنة 2014م المعدل لقانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936م، حيث تؤكد المادة (1) منه بأن أفعال النصب والاحتيال ويعاقب مرتكبها بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تزيد عن عشرين ألف دينار، حيث نصت المادة على (كل من حصل من شخص آخر على شيء قابل للسرقة أو حمل شخصاً على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأية وسيلة من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال، يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تزيد عن عشرين ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً أو بكلتا العقوبتين معاً، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.
ووفق جندية يجرى العمل أيضاً على تطوير قانون التجارة رقم (2) لسنة 2014م وتضمن القانون مجموعة من الجرائم المتصلة بالشيك والتي يعاقب مرتكبها بالعقوبات المبينة في القانون، إضافة لقانون الشركات التجارية رقم (7) لسنة 2012.
وأكد جندية أن تطوير هذه القوانين يجري بالتوازي مع الاستمرار في تجهيز مشروع قانون المعاملات والتجارة الالكترونية، وهو الأحدث، والذي يهدف إلى تنظيم وتطوير البنية الأساسية القانونية لتطبيق المعاملات الإلكترونية المعتمدة، والحد من حالات الاحتيال والتزوير في المراسلات والمعاملات الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، وفق ما نصت عليه المادة (2) منه.
انتشار سريع
في أكثر من مناسبة اكتفت وزارة الاقتصاد الوطني للمواطنين، بالتحذير ودعوة المواطنين لعدم التعامل مع بعض الشركات الوهمية، التي تعلن أنها تعمل في الاستثمار، لكنها في الحقيقة هي شركة احتيال مالي، ففي شهر تموز الماضي دعت الوزارة جميع المواطنين في قطاع غزة بعدم التعامل مع هذه الشركة الوهمية التي تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي باسم ” PTINT MEDIA” ، موضحة بأن الشركة تدعى بأنها تقدم ربح يومي يصل إلى 7 دولار مقابل شراء باقات مسلسلات بــ 150 دولار، ودعوة مواطنين آخرين للاشتراك.
وأوضحت الوزارة أن الشركة تعمل من خلال الإعلانات الممولة الموجهة للمواطنين، مشيرة إلى أن الشركات التي تنشط في هذا المجال تعمل على اتباع الطرق المتنوعة للتحايل والنصب الالكتروني بشكل مخادع للمواطنين.
وبعدها بوقت قصير طالبت الوزارة أيضاً المواطنين بعدم التعامل مع شركة باسم “بنك وايت انترناشونال”، لأنها شركة وهمية وتعمل من الخارج.
ودعت الوزارة المواطنين إلى الحفاظ على أموالهم من النصب والاحتيال وعدم متابعة المنصات الالكترونية الوهمية واتباع السُبل المشروعة لاستثمار أموالهم استثماراً آمناً.
متابعات مستمرة
ويقول الرائد إسماعيل نوفل، مدير دائرة الجرائم الإلكترونية في المباحث العامة بغزة، إن الشرطة بشكل عام، وقسم مكافحة الجرائم الالكترونية يتعاملون بجدية كبيرة مع قضايا الاحتيال المالي، خاصة الالكترونية، التي باتت الأكثر شيوعاً في الآونة الأخيرة، ويمكن للمتضرر تقديم شكوى بالخصوص عبر صفحة الشرطة الالكترونية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال دوائر العلاقات العامة، أو عبر صفحات دائرة الجرائم الالكترونية، مبيناً أنه يتم توحيد مسار الشكوى عن طريق العلاقات العامة، ممثلة بالوكيل حامد عبده كمحامي لاي مشتكي، ثم يتم إحالة الملف لدائرة الجرائم الالكترونية وتفويضه من النيابة العامة.
ووفق الرائد نوفل، فإن الاحتيال المالي، خاصة الالكتروني أخذ أشكالا جديدة وعديدة في الآونة الأخيرة، منها استخدام تداول العملات الرقمية كواجهة في النصب الالكتروني، والذي أثبت في جميع الحالات أنه نصب واحتيال، وكذلك شيوع استخدام العمليات الخادعة بالبيع والشراء عبر المواقع الالكترونية المزورة، وإرسال رسائل كاذبة توهم الضحية بأنه ربح جائزة كبرى، أو مبلغ مالي ضخم، بحيث تنتهي بعملية احتيال مالي.
كما تحدث نوفل عن انتشار ظاهرة انتحال شخصية لموظف بنك، والقيام بطلب البيانات الشخصية والسرية التي تخص الحساب البنكي للضحية، وذلك بغرض اختراق حساب الضحية وسرقته، إضافة للتسوق عبر المواقع الالكترونية المزورة والمشبوهة، والتي تعتبر غير آمنة معلوماتياً، مع شيوع طرق إساءة استخدام المعلومات البنكية وسرقتها.
وأكد أيضاً وجود جرائم التهديد والابتزاز من أجل مطالبة الضحية بأن يدفع المبالغ المالية للجاني، وهذا يكون من الداخل أو الخارج.
ولفت نوفل إلى أن ثمة بعض المحتالين يستغلون أوضاع الشباب الباحثين عن فرص عمل، فيقوموا بتقديم عروض التوظيف الوهمية، عبر الوسائل الالكترونية وغير الالكترونية، والتي تستدرج الضحايا لتقديم بياناتهم البنكية والمالية، التي من خلالها يقوم المحتال بالاستيلاء عليها.
وحذر من نوع جديد من الاحتيال المالي، عبر عروض الموجودات الفارهة، والسيارات الحديثة، بأسعار زهيدة تكون أقل بكثير من الأسعار الحقيقية لها، وهي تكون مقدمة لعملية نصب واحتيال مالي.
وعن حجم الاحتيال المالي الالكتروني بغزة، أكد أن الاحتيال المالي داخل غزة موجود بكثرة، لكن حتى الآن مُسيطر عليه، لافتا إلى أن المباحث العامة تهتم في هذا الملف، حيث أنه يعكس انطباع المجتمعات الاخرى على القطاع، لافتاً إلى وجود العديد من القضايا التي تم انجازها في ملف الاحتيال المالي وتجاوزت المبالغ ملايين الدولارات،
وبين أن هناك طرق للتعامل مع الاحتيال المالي عن بعد، حيث يتطلب ذلك أيام أو شهور من أجل التوصل للإثبات الفني للوصول للجاني، وهناك جناة فارون من قضايا احتيال مالي، بعضهم تم سجنهم على قضايا احتيال، وبعد خروجهم من السجن سافرو خارج القطاع، وما زالوا يمارسون الاحتيال من الدول المتواجدين فيها، أما داخل قطاع غزة فلا يوجد هاربين، موضحاً أنه لا يوجد أي تعاون مع الدول الأخرى، لضبط هؤلاء المحتالون، وهذا يشكل تحدي أمام الشرطة في غزة.
ورغم تأكيد نوفل أن الاحتيال المالي في غزة مسيطر عليه، إلا أن الأمر لا يبدو كذلك، فوفق متابعات معدا التحقيق، فخلال العامين الماضيين وقع مئات المواطنين ضحية لقضايا الاحتيال المالي، وضاعت عشرات الملايين من الدولارات جراء تفشي وانتشار تلك الظاهرة، التي لاتزال مستمرة بطرق واشكال متعددة.
ووفق وآخر إحصائية صدرت عن لمكتب الفني ودائرة التفتيش القضائي في غزّة تشير إلى انه وحتى بداية العام 2020 كان هناك نحو 160 ألف قضية ذمة مالية وتعثر مالي “عدم القدرة على سداد الأموال”، في قطاع غزة، وهذا الرقم تزايد خلال العامين الماضيين.
ووصف الدكتور عبد الله أبو الهنود، الخبير الاقتصادي والمحاضر في عدة كليات بغزة، ظاهرة الاحتيال المالي بأنها تعتبر من أخطر الظواهر التي باتت تنتشر في القطاع، وقد انتج الفقر الشديد الذي وصل إلى معدلات قياسية في غزة، متجاوزاً 54%ـ وتبعات الانقسام، خلق محتالون جدد، إذ بات البعض يسعى لجني المال حتى لو على حساب النصب والاحتيال على الآخرين، وبعض هؤلاء بارعون، ويتمتعون بقدرات احتيال وإقناع تجعل الضحايا يسلمونهم الأموال وهم مبتسمون.
كتب: محمود فودة ومحمد الجمل
هذا التحقيق تم إنجازه ضمن مشروع “تشجيع الإعلام للكشف وتسليط الضوء على قضايا الفساد”
تنفيذ ملتقى إعلاميات الجنوب بالتعاون والشراكة مع الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان.