الخميس, مارس 28, 2024
No menu items!
الرئيسيةالتحقيقاتمضاعفات أثناء الولادة لم يتم السيطرة عليها وأدّت للوفاة

مضاعفات أثناء الولادة لم يتم السيطرة عليها وأدّت للوفاة

عيادات توليد تعمل خارج الرقابة وطبيب: ولّدت بكرية بالأمس!
دائرة التراخيص: جميع العيادات باستثناء “واحدة” غير مرخصة للتوليد
الصحة: غالبية المراكز تفتقر لمعايير الامان لكنّها أفضل من الدول المجاورة
د.مهدي: نتعامل مع الحالات الآمنة وتحدث حالات طارئة نحولها سريعا
ضحية: إدارة المستشفى طلبت مني جلب وحدات دم من مستشفى آخر ثم توفيت زوجتي
جميع المراكز لا يوجد فيها بنك دم وغالبيتها تفتقر لجهاز التنفس الاصطناعي
وحدة التراخيص: المراكز الخاصة تحوّل الحالات الخطرة “وبطلع حاله منها”
مستشفى السلام: أغلقنا مركزنا لأننا غير مستعدين لنخسر طفلا ولعدم توفر كامل الامكانيات
طبيب: المستشفيات الحكومية على علّتها أفضل مكان للولادة لتوفر كامل الامكانيات
تحقيق- محمود هنية
لم يتخيل الشاب محمد عابد تحول لحظات انتظاره لمولوده الثاني، إلى كابوس يلاحقه حتى النهاية، بعدما فقد زوجته إثر مضاعفات عقب عملية الولادة، رغم اختياره مستشفى خاصة؛ لضمان توفير بيئة آمنة لولادة زوجته، وتجنبًا لحالة الاهمال التي يتوقع وجودها في المستشفيات الحكومية العامة.
الشاب عابد الذي تحتفظ ذاكرته بتفاصيل حادثة وفاة زوجته “سماهر الشوا”، رغم مرور عامين عليها، لم يدر في خلده أن عنايته الفائقة في اختيار المكان الخاص لميلاد زوجته، سيتسبب بفقدانها، نتيجة غياب أدنى معايير السلامة واهمها، ولا سيما بنك الدم الذي احتاجت اليه زوجته التي اصيبت بنزيف حاد بعد عملية الولادة.
يقول عابد إنّ خطأ طبيًا تعرضت له زوجته بعد نزفها، الطبيب الخاص أعطى زوجته حقنة مسيلة للدم، وكانت تحتاج لجرعات كبيرة من الدم، عوضا عن تلك التي تنزفها، لكنّه تفاجأ بعدم وجود وحدات دم في المستشفى – التي يتحفظ معد التحقيق عن ذكر اسمها- وطلبت منه الادارة ان يتوجه الى مستشفى الشفاء لجلب وحدات من الدم!.
“ذهبت بناء على طلبهم بصحبة اسعاف، وكانت زوجتي تحتاج لـ24 وحدة دم، وبعد مرور 4 ساعات جرى تحويلها الى مستشفى الشفاء، حيث كانت بوضع حرج للغاية”.
“العمر الك وعظم الله اجرك”، هكذا كان رد ادارة المستشفى بعد وفاة زوجته ببضع ساعات من وصولها الى الشفاء، “فقد وصلت في حالة حرجة للغاية وانتهى كل شيء”.
ياسمين ليست الحالة الوحيدة التي توفيت لذات السبب في مراكز التوليد الخاصة، فقد لقيت زوجة الدكتور حازم فحجان من مدينة رفح ذات المصير، في أحد المستشفيات الاهلية الخاصة، بعد اصابتها بنزيف حاد حصل معها “نتيجة سوء تقدير”، وفق توصيف الأطباء له.
احتاجت زوجته العديد من وحدات الدم، التي لم تتوفر في المركز فاضطر للتوجه لمستشفى الاوروبي من أجل الحصول عليها، كما يقول للرسالة.
حياة تنتهي بـ”عظم الله اجركم وصبركم الله”، مع وعود بالتحقيق مع اطباء علم “فريق التحقيق” أنّ بعضهم عاد للعمل بعد ذلك، هكذا انتهت القصة وبكل بساطة!.
اكتفى فريق التحقيق من توثيقه لحالات الوفاة نتيجة اهمال او افتقار مراكز التوليد الخاصة لمعايير السلامة والأمان، ليست هي الوحيدة فثمة حالات أخرى لقيت حتفها نتيجة لذلك، كما أنّ هناك العديد من الحالات التي تعرضت لذات المضاعفات، لكنه جرى السيطرة عليها وانقاذها من الوفاة.

اختلال معايير الأمان
خلال اعداد التحقيق وفي العاشر من اكتوبر الجاري توفيت السيدة نازك اليازجي من سكان مدينة غزة، أثناء الولادة في مستشفى الخدمة العامة بمدينة غزة.
وأعلنت وزارة الصحة بغزة، في بيان مقتضب، تشكيل لجنة مختصة للتحقيق في ملابسات وفاة سيدة خلال الولادة في احدى المستشفيات الأهلية.
ويتواجد في قطاع غزة 30 مؤسسة صحية 13 منها تتبع لوزارة الصحة، و14 لمؤسسات غير حكومية، و3 تابعة لوزارة الداخلية.
وبحسب تقرير صادر عن وزارة الصحة عام 2015، يوجد مستشفيان حكوميان للولادة في غزة، ويجري حاليا اعادة تأهيل مستشفى الولادة بمجمع الشفاء، ويتضح ضمن المرفقات قائمة للمستشفيات والمراكز الصحية بالقطاع.
وطبقا لذات التقرير الصادر عن الوزارة، فإنها تقر بأن عمليات العناية الفائقة لا تتم في أي مركز خاص، نظرًا لكلفتها العالية ولقلة الكوادر الطبية المتخصصة.
تقارير وزارة الصحة وتحديدًا الصادر عن العام الماضي، بيّنت أنّ 73.8% من حالات الولادة في مستشفيات الوزارة، و22.1% تمت في المستشفيات غير الحكومية و2% بالمستشفيات العسكرية، و1.2 % لدى طبيب خاص، حيث ارجع التقرير نسبة الارتفاع في التوجه للولادة بمستشفيات الوزارة لمدى وعي المواطنين بالإمكانيات والخدمة التي تقدمها الوزارة.
افتقار مراكز التوليد الخاصة لبنك الدم ليس معيار الأمن الوحيد التي تفتقر إليه، ففي خضم رحلة التحقيق، تبيّن أن هذه المراكز بمجملها تفتقر الى وجود حاضنات، بل وبعضها يفتقر الى مراكز مبيت، كما أنها تفتقر الى طبيب اطفال لفحص المواليد، بينما يغادر الطبيب في بعضها خلال فترة المبيت، ويتم التعامل معه الى حين الاستدعاء فقط! كما أن بعض هذه المراكز يفتقر الى بيئة تدفئة خاصة، وغالبيتها تفتقر إلى جهاز التنفس الصناعي (Ventilator).
الأكثر خطورة من ذلك هو توليد أطباء في عياداتهم الخاصة، بدون الحصول على ترخيص من الوزارة، وتجري إحدى هذه العيادات عملية الولادة في “حواصل” تفتقر لوجود كل هذه الاجهزة، كما كشف فريق التحقيق عن طبيب “ص.أ” حيث يجري عمليات ولادة بدون ترخيص!.
أمّا مراكز التوليد الخاصة في مجملها تفتقر كذلك للعناية المكثفة، والاجهزة الخاصة بالأطفال الخدج، كما أن انه لا يوجد أي قسم خاص لاستقبال الاطفال، باستثناء أحد المراكز الذي يحتوي على قسم الرعاية الاولية لكنه يفتقر لقسم مبيت وغير مجهز لاستقبال الاطفال.
يشار الى انه قد سجلت حالة وفاة لسيدة قضت اختناقًا اثناء عملية الولادة، حيث لم يتسنّ انقاذها لعدم وجود جهاز تنفس صناعي، كما أن فريق التحقيق علم ان الطبيب في بعض العيادات الخاصة يعمل بدون مساعد خلال عملية التوليد، حيث يشرف بنفسه على عملية التوليد كاملة، دون مراعاة شروط الأمان في حال حصل أي طارئ للطفل او والدته.

عيادات غير مرخصة
فريق الاعداد تقمصّ دور ذوي امرأة تريد الولادة، واجرى اتصالا على أحد مسؤولي العيادات الخاصة التي تعمل بدون ترخيص في احد حواصل منزلها، فأعطى الموافقة على اجراء عملية الولادة، مؤكدا انه اجرى اكثر من عملية ولادة بكرية”، ويحتفظ فريق التحقيق بتسجيل صوتي للمحادثة.
صاحب العيادة رفض الحديث عن المبلغ المالي المطلوب مقابل عمله، لكنه قال انه سيقوم بالتوليد في مركزه، رغم أنه يفتقر لمعايير السلامة، ويتواجد في حواصل منزله!.
فريق التحقيق واجه صاحب المركز الذي اكتفى بالقول إنه يعاين الحالة قبل عملية الولادة.
“توليد العيادات الخاصة امر غير قانوني؛ لأنها غير مؤهلة اصلا”، كان ذلك رد وزارة الصحة عندما سألها فريق التحقيق عن افتقار العيادات الخاصة لمعايير السلامة، وأقرّت كذلك بوجود قصور في هذه المعايير لدى المراكز العامة للتوليد!.
استشاري وزارة الصحة لحضانات قطاع غزة د. علام أبو حامدة، أقرّ في حديثه للرسالة، أن مراكز التوليد الخاصة في معظمها لا يوجد فيها حاضنات، كما لا يوجد مبيت في غالبيتها، “ومستشفى القدس هو الوحيد الذي يتوفر لديه حاضنات للمبيت وتفتقر لمعايير متقدمة، وكل المراكز بصفة عامة لا يوجد فيها حاضنات”.
وذكر أبو حامدة أنّ مراكز التوليد الخاصة يمنع عليها استقبال حالات الاطفال الخدج، وتحاول قدر المستطاع التعامل مع الحالات الآمنة والاطفال مكتملي النمو، وفي حال حصل أي طارئ يتم التنسيق مع المستشفيات الحكومية ونقل الحالة اليها”.
كما أنه أقر أن هذه المراكز تفتقر لبنك الدم، “رغم أنه يجب أن تحتوي على كميات من وحدات الدم التي تمكنها من التعامل مع الحالات الطارئة”، وهي عمليا تتنافى مع شهادة زوج المتوفية ياسمين الذي طلبت منه إدارة أحد المستشفيات الخاصة التوجه لمستشفى الشفاء من اجل جلب وحدات دم للتعامل مع زوجته التي احتاجت لـ24 وحدة!.
وأكدّ أبو حامدة ان هذه الكميات من وحدات الدم تحتاج لتحويل سريع للمستشفى، “ويقينا لا تستطيع المستشفى الخاصة التعامل مع هكذا حالات ويجب تحويلها”، وهو عمليا ايضا لم يحدث مع حالة ياسمين التي تأخرت عملية تحويلها لعدد من الساعات.
وأشار إلى ان هذه المراكز تفتقر ايضا الى العناية الفائقة للطفل، موضحًا أن عملية ترخيص المراكز يتطلب وجود “سماعة وسرير استقبال ومكانا للتدفئة وادوات الانعاش للطفل وانبوب التنفس الصناعي والقسطرة الوريدية والصدرية، وهي مجرد اسعافات اولية”.
وارجع عدم توفر هذه الامكانات لظروف الحصار الذي “سبب بقصور شديد في توفيرها.
أما عن نقل الحالات الحرجة من المركز للمستشفى، فأقرّ ايضا أن عملية النقل في بعض الاحيان لا تتناسب مع كثير من الحالات، “لكنها ظروف قاسية تحكم طبيعة العمل، ونتطلع للأفضل في خطط التطوير”، مجددًا دعوته كل المستشفيات لضبط معايير الامان لاستقبال المرضى.
أما عن توفر اطباء الاطفال، فذكر أن هذه المسألة قد تشرف عليها القابلة، “وهناك اطباء مخصصون للتعامل مع الحالات الطارئة ويجري استدعاؤهم وقت الحاجة”!، مع “تأكيدنا على ضرورة ان يكون هناك طبيب اطفال”.
مع ذلك، يرى أن ما تقدمه هذه المراكز في ضوء المعطيات أفضل بكثير من نظيراتها في دول مجاورة.

العيادات غير مؤهلة
وعلى صعيد العيادات الخاصة، قال مدير وحدة الإجازة والتراخيص في وزارة الصحة د. طه الشنطي، أنه لا توجد أي عيادة خاصة مرخصة للتوليد باستثناء مركز واحد.
وذكر الشنطي أنه لا يجوز لأي عيادة خاصة اجراء عمليات ولادة باستثناء حالات “الولادة الآمنة الأضطرارية”، وذلك خلافًا للعيادة التي كشفها فريق التحقيق والتي تعمل خلافا للقانون.
وذكر أن هذه العيادات غير مؤهلة اساسًا لإجراء عمليات ولادة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن بعض المراكز الكبيرة تفتقر لحضانة وتكتفي بوجود حاضنة متنقلة.
ولفت إلى أن اصحاب العيادات التي تجري عمليات توليد تعمل خلافا للقانون، كما ذكر أن بعض اصحاب المراكز يتجهون لإرسال الحالات الى المستشفى في حال حدوث أي مضاعفات، “برميها وبريح راسه، وبطلع حاله منها”.
وفيما يتعلق بافتقار بعض المراكز العامة لبنك الدم، ذكر أنها تحتوي على ثلاجة للدم تضم حوالي 3 وحدات على الاقل، ولديها تعاون مع جمعية بنك الدم، مشيرا الى ان الحالات التي توفيت نتيجة النزيف وعجز المراكز عن توفير الدم لها “روايات تحتاج لتحقيق وتدقيق”.
وبيّن أن العيادات الخاصة لا يوجد بينها وبين جمعية بنك الدم أي اتفاق؛ لأنها اساسًا غير مؤهلة.

خطورة كبيرة
الطبيب والاستشاري صلاح الرنتيسي، نائب رئيس مجلس ادارة مستشفى دار السلام بخانيونس، أقفل قسم الولادة في المستشفى، رغم أنه مهيأ بكثير من الادوات كما قال؛ “لكن عدم توفر حضانة وبنك دم وجهاز التنفس، وعدم وجود طبيب حضانة للتعامل مع الخدج، كل ذلك سيدفعني لتحويلها الى المستشفيات الكبرى”، متابعًا: “مش مستعد يصاب أي طفل او امرأة بمكروه في مستشفى انا مسؤول فيها لا توفر الامكانات الكاملة لهم”.
وأضاف الرنتيسي: “وجود ثلاجة دم في المركز ليست كافية فقد يحدث نزيف كبير او انفجار في الرحم، وهذه لو حدثت تسبب بكوارث تحتاج للكثير من كميات وحدات الدم”.
وتابع: “الولادة يجب أن تكون في مستشفى حكومي لتوفر كافة الامتيازات فيه، قد يشتكي البعض من اهمال او قلة نظافة، لكنه يملك الامكانيات كاملة وعند حدوث أي مكروه يتواجد العديد من الطواقم التي تستطيع التعامل مع الحالة”.
وردًا على سؤال حول تذرع بعض اصحاب المراكز بتحويل الحالة الى المستشفى في حال حدوث أي طارئ، أجاب: “إذا ما حصل أي مضاعفات للحالة داخل المستشفى بالكاد يتم السيطرة عليها، فكيف بحالة بعيدة ويراد تحويلها؟”
وختم بالقول: “لا يجوز أن نتحمل مسؤولية طفل لو نقص الاكسجين عليه أن يعيش في حالة اعاقة مستديمة لثلاثة عقود من عمره!”.

لا يتوفر امكانات
أخصائي نساء وولادة الدكتور باسل مهدي من مركز “مهدي” أكدّ أن غالبية المراكز لا يتوفر فيها تلك الحواضن الثابتة واجهزة التنفس الصناعية، لكنها تسعى لتوفير ابسط الادوات الكافية للتعامل مع الحالات الطارئة.
وقال مهدي إنّ مستشفى الشفاء تتوافر فيه كل الامكانيات، لكن الاماكن الخاصة تسعى بالقدر المتاح تقليل المشاكل، وتنتقي الحالات، حيث “تستثني المريضات بفقر الدم والاطفال الخدج والمصابات بالأمراض المزمنة”.
حديث مهدي لا ينطبق على المراكز كافة، حيث أنّ بعض المراكز اجرت عمليات لنسوة مصابات بمرض ضغط الدم.
وأقرّ مهدي أن حدوث الطوارئ والمضاعفات أمر وارد، وسجل في القطاع حدوث وفيات نتيجة لذلك، “لكن يتم الحصول على بعض الادوات والامكانيات التي تساعد بالسيطرة على الحالة حتى يتم نقلها الى المستشفى الحكومي”.

الآراء الواردة فى التحقيق تعبر عن آراء الصحفي ولا تمثل بالضرورة وجهات نظر ملتقى اعلاميات الجنوب

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

تابعنا على منصات التواصل الاجتماعي

3,300المشجعينمثل
5,723أتباعتابع
458أتباعتابع
533أتباعتابع
1,500المشتركينالاشتراك

الأكثر شهرة

أحدث إصدار من مجلة إنسان

احدث التعليقات